بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(محاوله لكشف أسرار النجاح الباهر للمسلسل) "باب الحارة"مسلسل سوري درامي غني ومثير, سيطر على وعي المشاهدين كبارا وصغارا..وانعكس على حياه الكثيرين منا..
في رمضان الأخير...فأصبح جزءا من ثقافتنا اليوميه..ومرحنا ومعاناتنا..وسيبقى في الذاكرة الجماعية أمدا طويلا ..كمسلسل "صح النوم" والجوال..وغيرها. *** بادرت الأخت الكاتبة عناق مواسي لكتابة مقال رائعا حول "باب الحارة "وأنهت مقالها بالسؤال..ما هو السر الذي يختفي وراء نجاح باب الحارة؟؟ اكتب هذه المداخله محاولا اضافه ماده تحليليه لمقال الأخت عناق مواسي ومحاولا كشف بعض أسرار النجاح الباهر..أملا أن تضيف مداخلتي هذه شيئا, بهدف تعميق ثقافتنا وسلوكياتنا التي نتحدى بها الأمم...وبهدف العمليه البحثية لموضوع من الصعب تجاهله. *** من وجهه نظري هناك عده عوامل أعطت للمسلسل زخما وقوه..وشكلت رزمه أسرار السحر والنجاح والشعبية أهمها : 1.الاسم: "باب الحارة"..وهنا كلمه "حارة" تحدث مفعولها نظرا لارتباطنا النفسي بهذا "التعبير" ,فكلنا مرتبطون بتعبير " الحارة"..لكل واحد من ارتباط نفسي واجتماعي مع الحارة بذكرياتنا وماضينا تفاعلاتنا ألإنسانيه والاجتماعية ..والحارة هي المكان الأكثر دفأ (روحيا ومعنويا) موجود في نفسيتنا, لجانب الحب والإيمان والأحلام...الحارة هي مخزن الذاكرة الفردية والجماعية ..وهي أهم جزء في تكوين الهوية والحضور اعتمادا على تواصل الماضي إلى الحاضر ومنه إلى المستقبل.وهي بأغلبها ذكريات جميلة...لكل منا" حارته"....فالاختيار "لاسم باب الحارة" بنظري موفق جدا وهو يشكل احد أسرار النجاح. 2.وكلمه باب: مرتبطة بانطلاقه الأمل ..فالباب هو البداية..هو المدخل..وما خلفه يستحق التفكير وما يمر به يستحق المعالجة..أذا باب الحارة –اسم له قوته على الوعي فيستحوذه بسرعة ويتفاعل معه. 3.المكان: للمكان الذي تشهده إحداث المسلسل تأثير كبير على المشاهد ..فهو مكان خلاب يتكون من بيوت عربيه فيها نفس الشرق الاصيل , تمتد لعصور المجد العربي..جميله بشبابيكها ونوافيرها وحجارتها وساحاتها...وهي قمه في العمران الخاضع لرخاء الإنسان وظروفه..من غرف ومداخل وبوابات وساحات مستره "للنساء" اللواتي عاده لا "يتمشين" بحريه كالرجال في الشوارع...ومهماتهن ألبيتيه تفرض عليهن البقاء في البيت..فيمنح البناء بهذا الشكل لهن حرية الحركة واللبس والسلوك...بعيدا عن عيون المارة...فهن في حرية فضاء الساحات لكن متسترات بالغرف من حول الساحة. عبق التاريخ المجيد يسكن في الفن المعماري الشامي..ونحن اليوم بحاجه له بعد ان "زهقنا" من البنايات العصرية الزجاجية الشاهقة والمؤتمتة وضجيج المجمعات...والتي تذكرنا بالغرب وجبروته.. 4-التوقيت : نحن في زمن الهزائم والإحباط..سقطت بغداد..وهدمت بيروت..وضاعت غزه..وانقسم الشعب الفلسطيني..ولا يزال أعداء الشعوب العربية أقوياء ولا يوجد من يصدهم...في هذا الزمن الرديء نحن بحاجه لماده للعقل والروح تعوضنا وتعيدنا للأمجاد بالتراث والبطولات والشجاعة...ويبدو ان انتصارات المقاومة اللبنانية وحزب الله لم تكن كافيه ...ولم تشبع عواطفنا بنشوة الانتصارات العربية... 5.التراث والفلكلور والتقاليد : المسلسل يعرض لنا تراثا وفلكلورا وقيما وعادات عليا في شتى مجالات الحياة...وهو بمثابة "خزانه سحريه" نجد بها ما فقدناه وزال.. وما نستمر بعمليه فقدانه بحكم العصرية والعولمة والسوق الاستهلاكي... 6.القيم الاجتماعية: تبرز في المسلسل قيم اجتماعيه نعرفها وعشناها في الماضي لكنها اندثرت تقريبا....التكافل الاجتماعي...الإحساس بالغير التعاون احترام الصغير للكبير احترام الأبناء لإبائهم...قيم العفه والشرف...احترام شرف المرأة...دعم الفقير...دور الشيخ ألتصالحي والتوفيقي....دور عقلاء الحي "والقيادة الاجتماعية"..دور الأسرة..دور المجتمع الأبوي.. التعامل مع العادات المتوارثة ...الانتماء للعائلة وللحارة وللوطن.. 7.إبراز الدور النسوي: أهميه كبيره لدور النساء وتأثيرهن في المجتمع..الأم والبنت والزوجه المطلقه.. و"الداي" ...والفتاحة.. والعروس... عالم من "العبقرية لنسويه" يطل علينا بتفاصيله الدقيقة..وهذا موضوع يستحق الدراسه بعمق أكثر. 8.الشخصيات: في المسلسل شخصيات متعددة ..وهي تعكس انماط الشخصية المختلفة..فهناك المرح وهناك المزاجي والرصين والاكتئابي والميلانخولي والعصبي...ولو عدنا لتصنيف ابيقور للأنماط الشخصيات لوجدنا أن المسلسل شمل أعدادا اكبر من الأنماط ,جعل المشاهد ينظر ويحكم ويربط بين شخصيه معينه وشخص أخر يعرفه في حيه..ليتوقع سلوكه وردود فعله...وكأن المسلسل مختبر نفسي وسلوكي يكشف لنا أنماط الشخصيات والعلاقات الاجتماعية لكل نمط ..وهذا نفسه مثير وجذاب... 9.العلاقة الأسرية: يقف المشاهد مشدودا لمعرفه تطور العلاقات الأسرية المبنية على نظام سلطه الأب...وبهرنا الاحترام لكلمه وموقف الأب وإلام ..من الأبناء..والحوار بين الزوجين...وعلاقات الاخوه فيما بينهم.... الطلاق: المسلسل يعرض حاله المطلقين التعيسة...قلما تعرض بوجهها الإنساني..وهو موضوع قلما نعرف عنه كون الظاهرة قليله في مجتمعنا....المسلسل يكشف لنا معاناة المتضررين بالطلاق...وكيف يصبح الطلاق الغير مبرر مدمرا لعائله كاملة...وهنا يفرز المشاهد مواقف التضامن والتماثل مع الشخصيات...الأمر الذي يشده لمعرفه ما سيحصل. 10.القضية الوطنية: المسلسل يهتم بالقضية الوطنية في اختيار الزعامات والإفراد للتصدي للمستعمر والمحتل (تهريب السلاح) لكن يبقى مكان للجواسيس..ويكون مصيرهم محتوم بالموت..او بالنبذ....ونحن بحاجه لنموذج مقابل ما نشاهده من أحداث ومواقف تأتينا من العالم العربي بقياداته المتعاونة مع أعداء ألامه... نموذج الزعيم : المسلسل يقدم نموذجا للزعيم ..الزعيم الشهم والخلوق والكريم والشجاع والحكيم...فالزعيم "يحمل هم الحارة" من كبيرها لصغيرها"...وهنا يزودنا المسلسل بمواصفات الزعيم والقائد والتي قلما نجدها عند الزعماء الحاليين...هنا تلميح ودرس هام..لا يمكن إغفاله. وقد أصبح "ابو شهاب "نموذجا للتقليد...وحبذا لو ينبت عددا من الزعماء بهذه المواصفات..أمنيه كل مواطن واعي وحريص..وفهلا جذب الممثل مشاهديه وانتظروه طويلا...وتألموا لموت الزعيم الأول بطعنه من "الجاسوس صطيف".. 11.تجمع التناقضات:المسلسل يجمع تناقضات كبيره تميز بها مجتمعنا العربي..فلجانب الإيمان بالمصير برز دور الفتاحات والحجابات...ومقابل دور الكرم برز البخل ومقابل الشهامة والجدعنه ( معتز) برز الجبن (بدر)..ومن الشخصيات النسائية مقابل ألخيره ام صلاح برزت الحقودة والنمامة (أم لطفيه).. كما برز البخل مقابل الكرم..والأنانية مقابل التضحية.. المسلسل بالنهاية يروي ظمأ روحاني وفكري ويسد فجوه "الضياع"..ويعيدنا لحظات للعزة الوطنية والانتماء للعراقة ومجد التاريخ... بنكهة خفيفة الدم .سلسة..بسيطة....يحتاجها الإنسان ليواصل حياته بلطف وأمل وابتسامه. ..وما اشد حاجتنا لهذا الأمل وهذه الابتسامة........ربما هنا تكمن" أسرار باب الحارة"...